هل تستطيع بكين التسامح مع احتكار بطاريات السيارات الكهربائية؟
10:20 مساءً 16 يناير 2022 حدثت فى 02:53 مساءً 18 يناير 2022
أصبح أكبر صانع للبطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية في العالم أكبر حجماً، وترتهن قدرته على الحفاظ على سيطرته العالمية بتهاون الصين مع احتكار مؤسسة خاصة لقطاع صناعي رئيسي.
أعلنت شركة ” كونتيمبوريري امبيريكس تكنولوجي كو ليمتد” الصينية، في 30 ديسمبر، أنها تستثمر 24 مليار يوان (3.77 مليار دولار) لزيادة قدرتها على إنتاج البطاريات في مقاطعة سيتشوان، وبالتالي الحفاظ على هيمنتها العالمية. كما أنها بدأت في بناء مجمع صناعي في هوبي لتشغيل ما يصل إلى 4 ملايين مركبة كهربائية في النهاية. بالإضافة إلى ذلك، تنظر الشركة في مواقع المصانع في بولندا لاستثمار ما مجموعه ملياري يورو تقريباً، بينما تنافس المجر للعب دور في خطط توسع الشركة، وهناك أيضاً مصنع قيد الإنشاء في ألمانيا.
في ظل هذا الزخم الذي لا منازع له، تعمل شركة “كونتيمبوريري امبيريكس تكنولوجي” على توريد البطاريات إلى مجموعة من شركات السيارات العالمية الكبرى وصناع السيارات الكهربائية مثل “تسلا”. تم توثيق قوة وهيمنة الشركة ومقرها نينغده توثيقاً جيداً، فهي الآن أكبر مُصنع لأجهزة باور باك المربحة في كوكب الأرض، فضلاً عن أنها واحدة من أكبر الشركات المدرجة في البورصة في الصين.
يمكن لهذه الصناعة أن تصبح المشكلة الأكثر إلحاحاً بالنسبة للشركة حتى الآن، وذلك لأن بكين تفتقر لوجود سجل حافل في السماح بهيمنة الشركات الخاصة. ويزيد الأمر سوءاً أن رئيس الشركة تسنغ يوكون- وإن كان أقل من نظيره الملياردير جاك ما- وكبار مديريه التنفيذيين كانوا من كبار المستفيدين من ارتفاع سعر سهم الشركة.
تدابير مكافحة الاحتكار
مع تركيز الصين على تدابير مكافحة الاحتكار وما ترتب عليها من مشاكل من جانب عمالقة التكنولوجيا، بما فيهم “تينسنت هولدينغز” (Tencent Holdings) و”على بابا غروب هولدينغز” (Alibaba Group Holding) و”آنت غروب” (Ant Group)، يجدر بنا التساؤل عما إذا كان الرئيس الصيني شي جين بينغ بإمكانه تقبل امتلاك شركة واحدة لمثل هذه القبضة المحكمة على حصة السوق- والمكانة العالمية البارزة- فيما كان يعتبر قطاعاً أساسياً.
امتدت الخطابات الأوسع نطاقاً المعنية بمكافحة الاحتكار إلى ما هو أبعد من المنصات الإلكترونية أيضاً. حيث قال رئيس المكتب الصيني الجديد المكلف بمهمة مراقبة القوة السوقية المركزة، في أواخر ديسمبر، إن البلاد ستكثف الرقابة وإنفاذ القانون لتنظيم مجالات مثل الابتكار التكنولوجي وأمن المعلومات، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الحكومية. وأشار هذا المسؤول إلى أن الهيئة “ستواصل تعزيز استعراض القضايا المتعلقة بتركيز المشغلين لمنع التوسع الفوضوي في رأس المال”. كذلك، أعربت المقالات الافتتاحية الأخيرة عن رأيها في مكافحة الاحتكار والسلوك غير العادل.
من الناحية النظرية، يمتد هذا المنطق إلى “كونتيمبوريري امبيريكس تكنولوجي”، ولا غرابة في عدم شعور بكين بالراحة تجاه هذا الوضع. فسواء كانت الجهات الفاعلة سيئة أم لا، فلا يمكن لأي قدر من حسن النية أو النفوذ الدولي تقديم يد العون، وذلك ما أظهرته تجربة شركة “إتش إن أيه غروب إنترناشونال” أو “تشاينا إيفرغراند غروب“.
رغم أن الشركة الصينية كانت أحد المستفيدين من مساعدات الدولة وتركيزها على المركبات الكهربائية، فإن بكين لم تتح لها العمل بحرية. ففي نوفمبر، أثارت بورصة شنغن للأوراق المالية تساؤلات بشأن أسهم بقيمة 9 مليارات دولار تقريباً كانت الشركة تخطط لطرحها وسألت عما إذا كانت تجمع الأموال “بصورة مفرطة”. وبعد فترة وجيزة، خفض صانع البطاريات عمليات جمع الأموال بمقدار مليارات اليوان وخفض مخصصات مشروعين، بجانب رأس المال المتداول. وفي ردها على البورصة، قالت الشركة إن أصولها الحالية لا تكفي لعمليات التوسع المخطط لها.
النظام البيئي للموردين
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو النظام البيئي لموردي المكونات الذي نما حول “كونتيمبوريري امبيريكس تكنولوجي”. حيث تعتمد هذه الشركات بشكل كبير على صانع أجهزة باور باك، فإذا أعلنت الشركة عن توسع في أعمالها، فغالباً ما تفعل تلك الشركات ذلك أيضاً. وبالإضافة إلى ذلك، فإنهم يعتمدون على هيمنة الشركة على السوق باعتبارها عميلاً آمناً، فضلاً عن أن الشركة بدأت تبدو وكأنها تنتمي لنموذج الفائز يظفر بكل شيء.
أعلنت شركة “يونان انيرجي نيو ماتيريال” (Yunnan Energy New Material)، المصنعة لفواصل البطاريات، في أواخر ديسمبر أنها وقعت عقداً مع “كونتيمبوريري امبيريكس تكنولوجي”. ويشكل طلب الشركة جزءاً كبيراً من قدرة صانع فواصل البطاريات، كما أنها تقدم دفعة سداد مسبقة لضمان إتمام عملية الإنتاج والإمداد. وهناك شركات أخرى مثل “جيانغسو دينغشينغ نيو إنيرجي ماتيريال” (Jiangsu Dingsheng New Energy Materials) (التي وقعت مؤخراً عقداً) و”جيانغسو جوتاي إنترناشونال غروب” (Jiangsu Guotai International Group) (التي توسع منشآتها في نينغده وبولندا) تعتبر بمثابة خلية محيطة بالشركة.
بينما يشير هذا التعاقد إلى شبكة فعالة وموثوقة من الإمدادات لصالح “كونتيمبوريري امبيريكس تكنولوجي”، فإنه يعد أيضاً نظاماً تعتمد فيه شركات عديدة على شركة رئيسية واحدة كمصدر لإيراداتها، وهذا الأمر يصبح خطيراً حينما يكون تمويل سلسلة الإمداد للجهات المصنعة محدوداً ومع بدء أسعار المواد الخام في الارتفاع. وفي حال مواجهة أي ضعف في الطلب أو تعقيد في خطط السيارات الكهربائية، فإن الأمر بإمكانه الفشل.
مسار الصين للهيمنة
مع ذلك، فإن “كونتيمبوريري امبيريكس تكنولوجي” تمثل مسار الصين للهيمنة على الصناعة العالمية لبطاريات المركبات الكهربائية وقطاع الطاقة الجديد بشكل عام، مع العلم أنه ليس هناك أي بلد أو شركة تقترب من هذا المستوى من الحجم أو الكفاءة. أحد الأسباب التي جعلت “تسلا” قادرة على وضع سياراتها على الطرق في مختلف أنحاء العالم هو قدرة الشركة على إنتاج البطاريات المطلوبة على نطاق واسع، وهو إنجاز صعب للغاية. كما أنه يعد مثالاً على كيفية وقوع جزء هام وحاسم من هذه العملية في أيدي الصين.
على الرغم من ذلك، ربما تكون لبكين خطط أخرى. فعلى سبيل المثال، تريد إنشاء مجمع صناعي يتألف من مؤسسات قوية صغيرة ومتوسطة الحجم لتكون جهات فاعلة مهيمنة في قطاعات فرعية متخصصة، كما فعلت مع قطع غيار السيارات التقليدية، من أجل نشر الثروات. لكن حتى ذلك الحين، انتهى الأمر بوجود شركة أو شركتين مهيمنتين مثل صانع الزجاج “فوياو غلاس اندستري غروب” بدلاً من حفنة من كبار الموردين. أو ربما تحتاج إلى العديد من الشركات الكبيرة المصنعة للبطاريات- المدعومة من جانب الدولة- بدلاً من شركتين خاصتين فقط.
لكن الوقوف كعائق في طريق “كونتيمبوريري امبيريكس تكنولوجي” في مثل هذه النقطة الحاسمة من دورة المركبات الكهربائية العالمية من شأنه أن يكون حماقة، وذلك لأن الصين ستخسر الفرصة الوحيدة التي قد تتاح لها أخيراً لإثبات قدرتها الصناعية.