بطاريات كمومية تحدث ثورة في تخزين الطاقة

الخميس 12 أكتوبر 2023

تخيل أنك تعيد شحن بطارية هاتفك بنقرة زر واحدة، أو تستعمل بطارية تشحن مباشرة من الشمس، أو تمتلك أجهزة إلكترونية لا توقف أبداً. إنها كلمات عن مستقبل موجود في تصورات مجموعة من العلماء تنكب حالياً على تطوير تكنولوجيا قادرة، إذا نجحت، على إحداث تغيير تام في الطريقة التي نتفاعل بها مع العالم، ومع بعضنا البعض.

بالتحديد، يتعلق الأمر بتكنولوجيا البطاريات الكمومية quantum batteries التي تخزن الطاقة من الفوتونات [الفوتون هو الوحدة الأساسية للضوء]، وليس من الأيونات والإلكترونات على غرار ما تفعل نظيراتها التقليدية التي تعمل بالطاقة الكيماوية على شاكلة بطاريات أيونات الليثيوم الموجودة في الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية. ولكن، تكمن المشكلة الوحيدة في أن أحداً ليس متأكداً تماماً حتى الآن إذا كانت هذه البطاريات ستعمل فعلاً على نطاق واسع.

ظهر الاقتراح العلمي المتعلق بالبطاريات الكمومية للمرة الأولى رسمياً في عام 2012 على يد باحثين في “جامعة غدانسك” في بولندا و”جامعة لوفين الكاثوليكية” في بلجيكا، علماً أنها تعتمد على الخصائص الغامضة التي تتسم بها الميكانيكا الكمومية Quantum Mechanics، تحديداً ظاهرة تُعرف باسم “الامتصاص الفائق” Superabsorbtion. وتتضمن هذه الظاهرة مبدأ يتعلق بقدرة الجزيء على امتصاص الضوء، ويُتَرْجَم مادياً بأن البطاريات الكمومية تصبح في الواقع أكثر كفاءة مع إضافة كل جزيء جديد. [في البطاريات التقليدية، كلما زاد عدد الجزيئات تطول المدة المطلوبة لشحنهم عبر امتصاص الضوء، لأن كل واحد منهم “يعيق” عملية الامتصاص. في الصيغة الكمومية، المعدل الذي يمكن أن يمتص به كل جزيء الضوء يزداد فعلاً مع زيادة عدد الجزيئات، فتسير عملية الشحن بصورة فائقة السرعة].

وعلى عكس بطاريات أيونات الليثيوم، التي تشحن كل خلية بشكل مستقل عن بعضها البعض، تشحن خلايا البطاريات الكمومية بشكل جماعي بفعل عملية التشابك الكمومي Quantum Entanglement . ونحصل تالياً على نتيجة غير متوقعة، تتمثل في أن سرعة الشحن تتحسن مع زيادة حجم البطارية. علاوة على ذلك، فهي لا “تتقدم في العمر” بالطريقة نفسها التي تعمل بها بطاريات اليوم، بالتالي فإن قدرتها على الشحن لن تتضاءل أبداً، بغض النظر عن عدد دورات الشحن/التفريغ التي تمر بها.

[بموجب الفيزياء الكمومية، هنالك حالة خاصة من التفاعل بين الذرات والجزيئات يكون فيها جزيء ما قادراً على الاحتفاظ برابطة نوعية ثابتة مع جزيء آخر، بغض النظر عن معطيات كثيرة كالمسافة والزمن. تسمى تلك الرابطة بأنها تشابك يتأتى من شكل نوعي خاص للطاقة. إذا ضربت طابة مجموعة كرات متجاورة مثلاً، ينتج من ذلك تفرق الكرات، لكن ثمة إمكانية لأن تربط طاقة التشابك بين إثنين منهما مثلاً، فيتصرفان بتطابق تام. إذا حركت أحدها، تتحرك الأخرى بنفس اللحظة، من دون فارق زمني على الإطلاق، مهما بعدت المسافة بينهما. ويسمى ذلك بالتشابك الكمومي].

صحيح أن البطاريات الكمومية ما زالت إلى حد كبير في المراحل النظرية من التطوير، ولكن سبق أن ابتكر العلماء النموذج التجريبي الأول من البطاريات الكمومية. في العام الماضي، نجحت فرق بحثية من أستراليا وإيطاليا، ضمن تعاون دولي، من ابتكار نموذج يؤكد إمكانية تحويل مفهوم الامتصاص الفائق إلى حقيقة واقعة.

ويدعي أحد العلماء الذين قادوا البحث، الدكتور جيمس كواتش من “جامعة أديلايد” في أستراليا، أنه في المستطاع إنتاج الأجهزة الأولى الصغيرة التي تتضمن البطاريات الكمومية في غضون الثلاث إلى الخمس سنوات المقبلة.

وفي تصريح إلى “اندبندنت”، أوضح الدكتور كواتش إنه “من شأن توظيف استثمارات كثيرة أخيراً في الحوسبة الكمومية، يسعنا من الناحية المبدئية النهوض بعمليات أخرى حول نقل الطاقة أو حتى حصاد الطاقة بشكل أسرع باستخدام التأثيرات الكمومية“.

وأضاف الدكتور كواتش، “في الوقت الحالي، ثمة عدد صغير جداً من الأجهزة الأولية التي تُشحن بواسطة الضوء، وقد صنعناها كي تكون دليلاً على إمكانية تحويل هذه الفكرة إلى حقيقة. لذا، فإن تطبيق الفكرة التي تمثلها تلك الأجهزة يجب أن يتعامل مع تلك القيود”.

وتتضمن القيود استخدام الليزر أو الضوء بدلاً من الكهرباء لشحن البطاريات، ما يعني أنه لا بد من إعادة النظر في البنية التحتية للشحن بالكامل قبل أن تصبح البطاريات الكمومية حقيقة واقعة واسعة الانتشار. كذلك تشمل الصعوبات الأخرى معرفة سبل تخزين وإطلاق طاقة البطارية الكمومية، بطريقة بسيطة وموثوق بها.

ثمة عالم آخر يقف في طليعة المشاركين في بحوث البطاريات الكمومية، هو داريو روزا من “معهد العلوم الأساسية” في كوريا الجنوبية. وتشير عمليات روزا الحسابية إلى أن البطاريات الكمومية قد تُقَلِّص أوقات الشحن النموذجي للسيارات الكهربائية منزلياً من 10 ساعات إلى ثلاث دقائق. وسيتراجع الوقت المطلوب لشحن تلك البطارية في محطة شحن متخصصة، من 30 دقيقة إلى فترة زمنية تزيد قليلاً على دقيقة، علماً أنه الوقت المستغرق تقريباً لملء خزان السيارة العاملة بالوقود.

وعلمت “اندبندنت” من الدكتور روزا أن “التطورات النظرية تظهر أنه مبدئياً في المستطاع شحن البطاريات الكمومية بشكل فوري، إذا ما توافرت عمليات الشحن الشاملة. وتبدو النتائج المحتملة لهذه القدرة مهولة”.

كتب الدكتور روزا عدداً من الأوراق البحثية عن البطاريات الكمومية، ما عزز معرفتنا بميزة الشحن الكمومي، وفق تسميتها، أي القدرة على الشحن بمعدل أسرع وأسرع حينما تشحن خلايا البطارية بشكل جماعي ككل.

ووفق الدكتور روزا إن “ميزة الشحن الكمومي ستسمح لهم بالشحن بمعدل أسرع كلما ازداد تشابك البطاريات معاً أثناء عملية الشحن. وفي الواقع، تعزى هذه القدرة إلى التأثيرات الكمومية”.

واستطراداً، إنها التأثيرات نفسها التي تعزز بشدة قوة أجهزة الكمبيوتر الكمومية كلما أضيف إلى النظام عدد أكبر من الـ”كيوبتات” qubits [الوحدة الأساسية للمعلومات في الحوسبة الكمومية، وتُعتبر نظيراً للـ”بت” في الحوسبة التقليدية التي نستعملها حاضراً]. وفي المقابل، تشكل تلك التأثيرات نفسها السبب في صعوبة الانتقال من المرحلة النظرية للبحث إلى الإنجازات التجريبية له.

في ذلك الصدد، تتراوح تقديرات الوقت الذي ستشق فيه البطاريات الكمومية العملية الأولى طريقها إلى الإلكترونيات اليومية، بين بضع سنوات إلى بضعة عقود. ولكن إذا تحققت هذه الأهداف، ستكون النتائج عظيمة.

وبطبيعة الحال، فإن تسخير تخزين الطاقة داخل الحالات الكمومية للذرات والجزيئات سيقود إلى ابتكار بطاريات أكثر قوة بأشواط قادرة على الشحن الفوري تقريباً. هكذا، ستحدث ثورة في المجالات كافة، بدءاً بالإلكترونيات الاستهلاكية وصولاً إلى تخزين الطاقة المتجددة، وليس مستبعداً أيضاً أن تستفيد الصناعات الأخرى من هذا التحول الثوري نفسه.

إلى جانب بطاريات الشحن الفائقة السرعة، يستطيع العلماء من الناحية النظرية الاستفادة من المبدأ الأساسي للامتصاص الفائق بغرض زيادة كفاءة الخلايا الشمسية، ما يسمح للألواح الشمسية بحصاد الطاقة الضوئية بالترافق مع عملية تخزينها، في وقت واحد.

وإذا نجح العلماء في إنتاج بطاريات كمومية عملية، يعتقدون أنها ستحدث “ثورة كاملة” في طريقة استخدامنا للطاقة.

وختم الدكتور كواتش، “إذا صارت البطاريات الكمومية تطبيقاً عملياً ملموساً، فستؤدي إلى تعطيل أكثر من صناعة واحدة، ذلك أن التكنولوجيا التي تدعم البطاريات الكمومية تختلف تماماً عن تكنولوجيات البطاريات المعمول بها حالياً، وستفتح فرصاً جديدة في طريقة تخزين الطاقة والتقاطها وتوصيلها”.

مصدر:بطاريات كمومية تحدث ثورة في تخزين الطاقة | اندبندنت عربية (independentarabia.com)