تقنية أضرار بيئية.. ما هي التكلفة الحقيقية للسيارات الكهربائية؟

Sep 20, 2022

ترجمات – السياق

فيما تسخر الحكومات حول العالم جهودها للتحول إلى الطاقة النظيفة الممثلة في استخدام السيارات الكهربائية، كشفت تقارير عن التكلفة الحقيقية لتلك المركبات التي في ظاهرها تساعد على إنقاذ البيئة، فيما تحمل في جعبتها الكثير من الأضرار البيئية والجيوسياسية الكبيرة.

فبحسب تقرير نشرته صحيفة «فورين بوليسي» الأمريكية، فإن السيارات النظيفة تقود بعض الأعمال القذرة، مشيرة إلى أن بعض الفائزين من ذلك التحول إلى الطاقة النظيفة هم عمال مناجم النحاس الذين يستغلون عمالة الأطفال، وعمال مناجم النيكل الذين يلقون أطناناً من النفايات في البحر، بالإضافة إلى رجال الأعمال الفاسدين الذين يدفعون المال للسياسيين الأفارقة، ومجموعة من المليارديرات الصينيين.

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن تلك الرؤية بعيدة كل البعد عن الرؤية المعقمة المباعة لمالكي تسلا، بحسب كتاب هنري ساندرسون الجديد «Volt Rush: The Winners and Losers in the Race to Go Green Hardcover  »، الذي يصحح مفاهيم حول التصور السائد بأن السيارات الكهربائية تساعد على بيئة خالية من التكلفة.

ورغم أنها تساعد في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المتدفقة في الغلاف الجوي وتسخين الكوكب، لكن التحول إلى نموذج تسلا ومنافسيها، بتمويل من عشرات المليارات من الدولارات من الإعانات الحكومية في جميع أنحاء العالم، ينطوي أيضًا على أضرار بيئية وجيوسياسية كبيرة.

وتقول «فورين بوليسي»، إن مؤلف الكتاب بدا مهووسا بالجزء الأكثر إثارة في السيارات الكهربائية وهو البطارية، مشيرة إلى أنه كتب قصة مثيرة عن الجشع والسياسة والتكنولوجيا التي يسكنها مجموعة من اللصوص وأصحاب الرؤى.

أحد هؤلاء بحسب –فورين بوليسي- إسرائيلي متشدد استغل جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومواطن تشيلي ساعده زواجه من ابنة ديكتاتور البلاد في السيطرة على أعمال تعدين الليثيوم، بالإضافة إلى عبقري شركة آبل ستيف جوبز الذي يروج للتعدين على أنه خلاص للبشرية، وملياردير صيني اشترى طائرة إيرباص A319 لسائق زوجته وعشيقه.

استراتيجية صينية

وتقول «فورين بوليسي»، إن البطاريات هي قلب السيارات الكهربائية، فيما الصين قلب إنتاج البطاريات المتقدم، فيما يقول “بوب ديفيس” المراسل الذي غطى العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين لعقود في صحيفة وول ستريت جورنال، إن أحد الأسباب التي ساعدت في تحويل شركة «   Amperex Technology Co. Ltd » الصينية المعاصرة، أو CATL إلى شركة رائدة عالميًا في مجال البطاريات، تكمن في الإعانات الحكومية وإجراءات الحماية التي اتبعتها بكين وهو أمر غير مفاجئ نظرًا لهدف الصين المتمثل في السيطرة على الجيل التالي من السيارات والشاحنات.

وأشار بوب ديفيس إلى أن بكين وضعت استراتيجية مفادها أن 40% من السيارات المباعة في الصين بحلول عام 2030 يجب أن تكون كهربائية، مؤكدًا أنه كجزء من استراتيجيتها، رفضت بكين الإعانات لعدة سنوات للمركبات الكهربائية التي تستخدم البطاريات الأجنبية، مما جعل شركات تصنيع البطاريات الأجنبية غير قادرة على المنافسة، وأعطى لشركة CATL  سوقًا محمية وميزة كبيرة على الشركات الكورية الجنوبية، التي كانت متقدمة في مرحلة ما من الناحية التكنولوجية.

لكن المساعدات الحكومية لا تفسر نجاح الشركة بشكل كامل؛ فبكين والحكومات المحلية في الصين شجعت أيضًا ريادة الأعمال، وخفضت التكاليف بلا هوادة، بحسب «فورين بوليسي»، التي قالت إنه في ظل التحول إلى الشركات المملوكة للدولة التي بدأت في عام 2013 في عهد شي جين بينغ، فإن روبين زينج مؤسس CATL ، تخلى عن وظيفته في شركة مملوكة للدولة في مقاطعة فوجان وبدأ العمل على البطاريات، في البداية مع عالم سابق في IBM من تايوان.

إلا أنه في النهاية، أبرم صفقة مع شركة BMW الصينية المشتركة لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، بحسب الصحيفة الأمريكية التي قالت إن المتطلبات الصارمة لشركة BMW ساعدت في رفع مستوى شركة CATL  بما يكفي لتصبح المورد الأول لشركات صناعة السيارات الأخرى.

  • منافسة شرسة-

وتتطلع CATL الآن لمحاكاة شركة Huawei Technologies العملاقة للاتصالات في بيع المعدات المتطورة عالمياً، بحسب «فورين بوليسي»، التي قالت إن الصين حققت اختراقات وصفتها بـ«الهامة».

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن أحد الأسرار التي يتم التغاضي عنها في نجاح الصين في مجال الطاقة المتجددة هو المنافسة المحلية «الشرسة» التي تؤدي إلى انخفاض الأسعار على مستوى العالم.

ففي حين أن الأسعار الصينية المتدنية للمواد والمكونات الشمسية، على سبيل المثال، دفعت المنافسين الأوروبيين واليابانيين والأمريكيين إلى الإفلاس، فقد ساعدت أيضًا في جعل الطاقة الشمسية ميسورة التكلفة.

إلا أن السؤال الذي بات مطروحاً الآن على صانعي السياسة هو ما إذا كان يتعين إغلاق الواردات الصينية لمساعدة الشركات المحلية أو فتح الأبواب على نطاق أوسع لمساعدة المستهلكين المحليين؟

ووصف جريجوري نيميت أخصائي الطاقة الشمسية بجامعة ويسكونسن، خفض تكلفة الطاقة الشمسية في الصين بأنه «هدية للعالم».

-التعدين العالمي-

وتقول «فورين بوليسي»، إنه لكي تلعب الشركات الصينية دورًا رائداً في السيارات الكهربائية، فإنها كانت بحاجة إلى التوسع في التعدين العالمي – بتمويل حكومي – لأنها تفتقر إلى المواد الخام في الداخل.

وتتطلب بطاريات الليثيوم أيون – مصدر الطاقة المفضل للسيارات الكهربائية – إمدادات كبيرة من الليثيوم والنحاس والنيكل والكوبالت، فيما لا تنتج المناجم الصينية ما يكفي من أي من هذه المعادن، لذلك كان عليها أن تبحث في الخارج، مما أدى إلى خلق ما يسميه ساندرسون في كتابه «اندفاع المواد الخام».

وأضف كاتب التقرير بوب ديفيس، أنه عمل فوضوي، فالسيارات الكهربائية تتطلب حوالي ثلاثة أضعاف كمية النحاس التي تتطلبها السيارات التي تعمل بالبنزين، أما بالنسبة للحافلات الكهربائية، فيمكن أن يصل الفرق إلى 16 ضعفًا.

ويتطلب التعدين الكثير من الطاقة، التي توفرها غالبًا محطات تعمل بالفحم، مما يقلل بشكل كبير من وفورات الانبعاثات الإجمالية من السيارات الكهربائية مقابل تلك التقليدية.

ويوضح Volt Rush بالتفصيل كيف اكتسبت الصين مكانة عالمية في المعادن التي تفتقر إليها، مشيرًا إلى أنه في حين تشتهر التعاملات الخارجية الصينية بأنها غير أخلاقية، إلا أن تكتيكاتها بالكاد تبرز في هذا الصدد – خاصة في عالم التعدين العالمي القاسي.

وضرب الكتاب مثالا على ذلك بدان جيرتلر المغامر الإسرائيلي الأرثوذكسي «المتطرف» الذي استخدم علاقاته مع الرئيس الكونغولي جوزيف كابيلا للحصول على حقوق الكوبالت والنحاس الكونغوليين بجزء بسيط من قيمتها، والذي عمل كوكيل لعملاق السلع جلينكور.

وبين عامي 2005 و 2015، قالت وزارة العدل الإسرائيلية، إن جيرتلر دفع أكثر من 100 مليون دولار في شكل رشاوى للحصول على «وصول خاص» إلى قطاع التعدين في الكونغو.

التعدين الحرفي

واستحوذت الشركات الصينية على الكوبالت في الكونغو أيضًا؛ فشركة” Huayou Cobalt “اعتمدت على ما يسميه صحفيو التعدين بشكل غريب «التعدين الحرفي».

ويصف المصطلح العمال الذين يحفرون بمفردهم للحصول على الكوبالت مقابل دولارين إلى 3 دولارات يوميًا بدون معدات أمان، وغالبًا ما يستخدمون الأطفال كعمال. وفي عام 2019، عالجت الصين 90% من الكوبالت في الكونغو، وفقًا لكتاب ساندرسون.

وبعد قيام منظمة العفو الدولية بانتقاد شركة   Huayou   في عام 2016 في تقرير بعنوان “This Is What We Die For” ، لاعتمادها على عمالة الأطفال، أوقفت شركة آبل الشراء من الشركة مؤقتاً.

-التعدين الأخلاقي-

وردا على ذلك، شكلت Huayou لجنة عمل للشركات قائلة إنها تريد أن تكون رائدة على مستوى العالم في التعدين «الأخلاقي»، إلا أنه مع ذلك، فإن كاتب التقرير بوب ديفيس يشير إلى أن الشركة كانت تواصل الشراء من عمال المناجم الحرفيين.

واتبعت شركة صينية أخرى، Tsingshan Holding Group ، استراتيجية مختلفة لزرع النيكل في إندونيسيا، يقول بوب ديفيس، مشيراً إلى أن مؤسس تشينغشان، رجل الأعمال الصيني شيانغ قوانغدا، يمتلك أسطولًا من سيارات بينتلي وهامر، وقد يتعلم يوماً ما كيفية القيادة.

وفي وقت مبكر، احتاجت «تشينغشان» إلى النيكل لصنع الفولاذ المقاوم للصدأ، فافتتحت مصنعًا ضخمًا للفولاذ المقاوم للصدأ يعمل بالفحم في إندونيسيا الغنية بالنيكل.

-صادرات النيكل-

وعندما حظرت إندونيسيا صادرات النيكل لإنشاء صناعة معالجة محلية، كانت تشينغشان المستفيد الرئيسي، فلتلبية الطلب المتزايد على السيارات الكهربائية، استخدمت الشركة النيكل الذي تستخرجه في إندونيسيا لصنع مواد البطاريات هناك، فيما حذت شركات صينية أخرى حذوها وأقامت عمليات معالجة في إندونيسيا.

وغالبًا ما تعمل المناجم والمصانع على الفحم، مما يعني أن النيكل المنتج للبطاريات في إندونيسيا ينتج على الأرجح ثلاثة أضعاف انبعاثات الكربون من عمليات مماثلة في كندا وأستراليا، وفقًا لتقديرات ساندرسون.

ويناقش ساندرسون في كتابه إعادة تدوير البطاريات، والذي سيكون مفيداً، لكنه لن يكون كافياً لمواكبة الطلب على السيارات الكهربائية. كما أنه وضع خطة لتعدين الليثيوم في كورنوال بإنجلترا، مدعوماً بالطاقة الحرارية الأرضية التي يُفترض أنها غير ملوثة كنموذج.

-سياسة صناعية-

وتقول «فورين بوليسي»، إن المطلوب هو سياسة صناعية قادرة على منافسة الصين، ستشمل المكونات المحلية أموالاً للبحث وحوافز للتصنيع محلياً، مشيرة إلى أن إدارة بايدن اتخذت في الولايات المتحدة خطوة في هذا الاتجاه من خلال مشروعي قانون تم التوقيع عليهما مؤخراً ليصبحا قانونين، أحدهما يدعم تصنيع أشباه الموصلات والآخر الطاقة المتجددة، بما في ذلك السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية.

وبشكل ملحوظ، أنهى التشريع نقاشًا دام عقودًا حول كيفية تحديد شركة أمريكية مؤهلة للحصول على المساعدة، فخلال الإدارات السابقة كانت الشركات الأمريكية هي تلك التي يقع مقرها الرئيسي في البلاد، باتت الآن الشركات التي تصنع في الولايات المتحدة مؤهلة على أنها أمريكية، بما في ذلك على الأرجح الشركات المملوكة للصين.

وسوف تحتاج السياسة الصناعية القائمة على الطاقة النظيفة إلى عنصر أجنبي أيضًا – على وجه التحديد، وسيلة لإعادة الانخراط مع بكين في وقت يتنافس فيه السياسيون على أن يكونوا «صارمين مع الصين».

وعادة ما يعني هذا الأخير فصلًا إضافيًا للاقتصاديين، لكن عندما تقود الصين تقنيات وصناعات مهمة، بما في ذلك الطاقة الشمسية والبطاريات، فإن الطريق الأكثر ذكاءً هو تشجيع الصين على الاستثمار في الولايات المتحدة، وإرسال باحثيها إلى هناك، والاعتماد على انفتاح الولايات المتحدة لمنح أمريكا ميزة.

مصدر:أضرار بيئية.. ما هي التكلفة الحقيقية للسيارات الكهربائية؟ – منصة السياق الإعلامية (alsyaaq.com)